يذكر التاريخ أن الطبيب الإسباني «ميخائيل سارفيتوس» اكتشف الدورة الدموية الصغرى في جسم الإنسان، وسجل هذا الاكتشاف في كتابه «إعادة بناء المسيحية» الذي نشره قبل موته 1553م، وبعد ست سنوات وردت نفس الفكرة في كتاب عن التشريح للطبيب الإيطالي «كولومبو»، ثم وردت مرة أخرى بعد عشرين عاما في كتاب «سيزالبينو» الإيطالي «موضوعات المشائين». وفي عام 1616م، أعلن الطبيب الإنجليزي «وليم هارفي» اكتشافه للدورة الدموية في كتابه «دراسة لحركة القلب والدم».
ظل اكتشاف الدورة الدموية منسوًبا إلى هؤلاء الأربعة حتى عام 1924م حينما ظهرت الحقيقة على يد الطبيب «محيي الدين التطاوي» الذي قام بتحقـيق نسخة مخطوطة من كتاب «شرح تشريـح القانون» لـ «ابن النفيس» وحصل بدراسته (التي تؤكد سبق العالِم العربىّ إلى اكتشاف الدورة الدموية) على درجة الدكتوراه من جامعة «فرايبورج» الألمانية.
لقد أنصف التاريخ «ابن النفيس» بأن بعث من ينشر أشهر أعماله بعد أن اندثرت وطواها النسيان، وأنصفه التاريخ مرة أخرى عندما كشف أن طبيبًا يدعى «الباجو» زار دمشق ورجع منها بعدد من المخطوطات القيمة ، منها كتاب ابن النفيس، فترجمه ونشره باللاتينية عام 1547م
(كانت الطباعة قد ظهرت في ألمانيا عام 1450م، وقد ساعد هذا الاختراع العظيم على سهولة طبع المخطوطات والكتب القديمة فأصبحت أقل ثمنًا وأكثر انتشارًا، ويقال إنه خلال خمسين عامًا من اختراع المطبعة كان قد تم طبع تسعة ملايين كتاب!).
وقعت نسخة من كتاب «شرح تشريح القانون» في يد «سارفيتوس» فنقل عنها من دون إشارة إلى صاحبها، ويبدو أن القدر أراد أن يعاقب سارفيتوس على جريمة السطو والغش العلمي، فاتهم بالخروج على الدين، وقضى نصف عمره هاربًا تحت اسم مستعار حتى قبض عليه وأحرق حيًا مع كتابه عام 1553م.