"أعطني رغيف خبز، بدي أصرح بالغنم"، كان ذلك جزءا من مشهد يومي يحدث مع رواحة، الفتى الذي عرف الريف الفلسطيني رائحته، وعرف هو أيضا معنى أن يكون الإنسان حرا طليقا بأحضان الطبيعة التي تلفها الحرية.
نظرته للحياة هكذا، إطلالة في الصباح على القرى المتناثرة على سفوح الجبال، وقد انبعثت منها سحب الدخان.. يستوقفك المشهد، ما مصدر هذه السحب الدخانية؟ إنها الطوابين.. هذه الأماكن التي يصنع فيها الخبز البلدي.. الخبز الذي لا يزال أهل الريف الفلسطيني يتلذذون بمطعمه، ويتمسكون به رافضين الغزو التكنولوجي والخبز الأبيض.
خبز الطابون الذي يستلذه عاشقيه ساخنا ناضجا بات صورة أصيلة للتراث الفلسطيني، التراث الذي تمسك به أهل فلسطين في سبيل الحفاظ على شيء من هويتهم التي حاول الكثيرون طمس معالمها.
نظرته للحياة هكذا، إطلالة في الصباح على القرى المتناثرة على سفوح الجبال، وقد انبعثت منها سحب الدخان.. يستوقفك المشهد، ما مصدر هذه السحب الدخانية؟ إنها الطوابين.. هذه الأماكن التي يصنع فيها الخبز البلدي.. الخبز الذي لا يزال أهل الريف الفلسطيني يتلذذون بمطعمه، ويتمسكون به رافضين الغزو التكنولوجي والخبز الأبيض.
خبز الطابون الذي يستلذه عاشقيه ساخنا ناضجا بات صورة أصيلة للتراث الفلسطيني، التراث الذي تمسك به أهل فلسطين في سبيل الحفاظ على شيء من هويتهم التي حاول الكثيرون طمس معالمها.
تعرف عليه..
والطابون هو عبارة عن بناء صغير من الحجارة العادية، مسقوف بعصي ضخمة من فروع الزيتون غالبيتها، وفوقها الطين لمنع تسرب مياه المطر، وله باب وليس له نوافذ بل طاقة وحيدة لتسريب القليل من الضوء، وفي وسط أرضية ذلك البناء تعمل حفرة غير عميقة، يوضع فيها قالب الطابون المصنوع من الطين، وعلى فترات، ويترك لمدة طويلة حتى يجف، ويوضع فيه قدر كاف من "الرضف" وهو نوع من الحصى المستديرة المصقولة.
ويعلوا طابون الخبز فتحة في أعلى القبة، قطرها عادة خمسين سم، وهي عبارة عن باب، وتغطى بغطاء معدني له مقبض، يمكن رفعه لإدخال الرغيف باليد، ثم إعادة الغطاء لحفظ الحرارة في الداخل، ويغمر هذا المخبز بأسره بالقش وبقايا ورق الزيتون اليابس والحطب أيضا، وتوقد عليه النار ويترك لمدة طويلة حتى يكون ما في هذا المخبز من "الرضف" قد حمي، إلى أن تأتي المرأة "فتقحر بمقحارها" أي تزيل بلوحة يدوية ما على حافة الغطاء من سكن "رماد"، ثم تبدأ عملية الخبز.
سر هذا الرغيف
وتبدأ أولى مراحل الإعداد لهذا الخبز، أي تبدأ عملية العجن، حيث يتم تحضير القدر الكافي من الطحين البلدي ومصدره القمح، وقدر قليل من الطحين الأبيض، ويتم إضافة مقدار ملعقتين من الخميرة حتى تساعد في نضج العجين، إضافة إلى ملعقتي ملح، ويتم في هذه العملية تنخيل الطحين، لفصله عن النخالة لبدء عملية العجن.
يلي ذلك مرحلة العجن، والتي يتم فيها إضافة كمية من الماء إلى الطحين الجاهز بعد "التنخيل" أي تنقيته من الشوائب، ويتم إضافة الماء باستمرار إلى الطحين حتى يتشكل العجين بشكله النهائي، ويكون جاهزا.
وقبل المباشرة بعملية الخَبز لا بد أن يكون الطحين المختلط بالماء "العجين" اخذ قسطا من الراحة لا يزيد عن ساعة، حيث ينقل لتبدأ عملية الخبز، ومن ثم يتم رق العجين ويدخل داخل الطابون "الفرن الملتهب ببقايا النيران التي أشعلت فيه، "ليخرج بعد ذلك رغيف الخبز ذو الرائحة الزكية المعبقة بنسائم ربيعنا الطري الذي يلف مع الهوى تارة شرقا وأخرى غربا".
ويتابع رواحة "حين أرى أمي وقد أخذت ترق قطع العجين بين يديها حتى تستدير، وقطرات العرق قد تناثرت على أطراف خديها المجعدين، تتجسد في مخيلتي صورة تراثية تحمل في ثناياها خصوصية ثقافية للشعب الفلسطيني، حيث لا تكل يداها عن الحركة الدائبة المنتظمة وعلى وتيرة واحدة وفي خفة واضحة تصنع هذه الرقائق في الطابون واحدة تلو الأخرى".
بهذه الكلمات ربما يختتم رواحة كلامه عن أمه التي ما زالت تذكره يديها بدوران هذا الرغيف وتقلبه بينهما في وقت عافت النساء مثل هذا العمل، فليس إذن من العجب أن يصبح مثل هذا الطعام تراثا!!