والفعل( يغشي ) مستمد من ( الغشاء ) وهو الغطاء, يقال غشي بمعني غطي وستر, ويقال( غشاه ) و ( تغشاه ) ( تغشية ) أي غطاه تغطية, و ( أغشاه ) إياه غيره, و( الغشوة ) بفتح الغين وضمها وكسرها و ( الغشاوة ) مايتغطي أو يغطي به الشيء, ويقال( غشية ) ( غشيانا ) و ( غشاوة ) و( غشاء ) أي جاءه مجيء ما قد غطاه وستره, و( استغشي ) بثوبه و ( تغشي ) به أي تغطي به, و( الغاشية ) كل ما يغطي الشيء كغاشية السرج, و( الغاشية ) تستخدم كناية عن القيامة التي ( تغشي ) الخلق بأهوالها وجمعها( غواش ) , و ( غاشية تغشاهم ) أي أمر يعمهم سواء كان شرا أم خيرا من مثل نائبة تجللهم أو فرح يعمهم.
من ذلك يتضح أن من معاني يغشي الليل النهار أن الله( تعالي ) يغطي بظلمة الليل مكان نور النهار علي الأرض بالتدريج فيصير ليلا, ويغطي بنور النهار مكان ظلمة الليل علي الأرض بالتدريج فيصير نهارا, وهي إشارة لطيفة إلي كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس دورة كاملة في كل يوم مدته24 ساعة, يتقاسمها ـ بتفاوت قليل ـ الليل والنهار, في تعاقب تدريجي ينطق بطلاقة القدرة الإلهية المبدعة, فلو لم تكن الأرض كروية الشكل مااستطاعت الدوران حول محورها, ولو لم تدر حول محورها أمام الشمس ماتبادل الليل والنهار.
والقرآن الكريم يستخدم تعبير الليل والنهار في مواضع كثيرة استخداما مجازيا للإشارة إلي كوكب الأرض, كما يشير بهما إلي كل من الظلمة والنور ـ علي التوالي ـ وإلي العديد من المظاهر المصاحبة لهما من مثل قوله( تعالي ) :
والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها
( الشمس : 1 ـ4 )
وفي هذه الآيات الكريمة يقسم ربنا تبارك وتعالي( وهو الغني عن القسم ) بالنهار الذي يجلي الشمس أي يظهرها واضحة جلية لسكان الأرض, وهي حقيقة لم يدركها العلماء إلا من بعد ريادة الفضاء في النصف الأخير من القرن العشرين, حين اكتشفوا أن نور النهار المبهج لا يتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس, وأن هذا الحزام الرقيق من الغلاف الغازي للأرض يصفو من الملوثات وتقل كثافته بالارتفاع علي سطح الأرض, بينما تزداد كثافته ونسب كل من بخار الماء وهباءات الغبار فيه كلما اقترب من سطح الأرض, ويقوم ذلك التركيز وتلك الهباءات من الغبار بالمساعدة علي تشتيت ضوء الشمس, وتكرار انعكاسه مرات عديدة حتى يظهر لنا باللون الأبيض المبهج الذي يميز النهار كظاهرة نورانية مقصورة علي النطاق الأسفل من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس, بينما يعم الظلام الكون المدرك في غالبية أجزائه, وتبدو الشمس بعد تجاوز نطاق نور النهار قرصا أزرق في صفحة سوداء, ومن هنا فهمنا المعني المقصود من أن النهار يجلي الشمس, بينما ظل كل الناس إلي أواخر القرن العشرين وهم ينادون بأن الشمس هي التي تجلي النهار, فسبحان الذي أنزل تلك الحقيقة الكونية من قبل ألف وأربعمائة سنه, والتي لم يكتشفها العلم التجريبي إلا في النصف الأخير من القرن العشرين...!!!
كذلك يقسم ربنا( تبارك وتعالي ) في سورة الليل ـ وهو( تعالي ) غني عن القسم ـ بقوله عز من قائل : والليل إذا يغشي والنهارإذا تجلي( الليل : 2,1 ) وهو قسم بالليل ( أي ليل الأرض ) الذي يغشي أي يغطي نصف الكرة الأرضية البعيد عن الشمس بالظلام لعدم مواجهته للشمس, وقسم بالنهار( أي نهار الأرض ) الذي تشرق فيه الشمس علي نصف الكرة الأرضية المواجه لها فيعمه نور النهار, وبتعاقبهما تستقيم الحياة علي الأرض, ويتمكن الإنسان من إدراك مرور الزمن والتاريخ للأحداث.
وحينما يغشي الليل بظلمته نصف الأرض, البعيد عن الشمس تتصل ظلمة الأرض بظلمة السماء فيعم الظلام, وفي نفس الوقت يتجلي النهار في نصف الأرض المواجه للشمس بنوره المبهج فاصلا الأرض عن ظلمة الكون بحزام رقيق من النور الأبيض لا يكاد يتعدي سمكه المائتي كيلو متر.
ويمن علينا ربنا( تبارك وتعالي ) بتبادل كل من الليل والنهار فيقول( سبحانه