في بعض النوادي العربية، اتهم بعض الخطباء الإسلام بأنه يظلم المرأة في ثلاثة مجالات:
ـ مجال العائلة: حيث يجعل الرجل هو القيم في العائلة ويقول النص القرآني: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ)(سورة النساء، الآية 34)
ـ مجال الإرث: حيث يجعل للرجل ضعف ما للمرأة ويقول النص القرآني:
(لِلذّكسرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ)(سورة النساء الآية 11)
ـ في مجال العمل: حيث يفرض على المرأة الحجاب الذي يعيق عملها ويقول النص القرآني: (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ)(سورة الأحزاب الآية 53)
فما رأيكم في ذلك؟
من المؤسف أن توجه انتقادات جاهلية إلى الإسلام من قبل بعض الأندية في الوقت الذي نجد أن كبار المفكرين الغربيين والشرقيين بدأوا يعبرون عن إعجابهم بالطريقة الإسلامية في تقييم دور المرأة.
وعلى كل حال فإن علينا أن نوضح رأي الإسلام وطريقته في المجالات الثلاثة..
ولكن قبل ذلك أجد نفسي مضطراً لبحث قضية الإنسان في نظر الإسلام، ذلك لأن الإسلام لا يميز بين بني آدم بسبب القالب. فالنواحي الفسيولوجية في المرأة، أو الرجل لا يجوز أن تخفي في رؤية الإسلام، فالمرأة والرجل كلاهما إنسان قبل أن يكون الرجل رجلاً والمرأة إمرأة، ومن هنا نجد أن الأوامر التي تصدر في النصوص الإسلامية بصيغة المذكر تشمل المرأة بالبديهة، وبلا ترديد، لأنها من بني الإنسان وصيغة المذكر، إنما هي بالنظر إلى الإنسان وليس بالنظر إلى عنصر الذكورة.
هذا بالإضافة إلى أن أساسيات تركيب الإنسان هي واحدة في الرجل والمرأة.
(فَلْيَنْظُرِ الإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ؟)(سورة الطارق الآية 5).
فكلاهما مخلوق من طين:
(وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسانِ مِنْ طِينٍ)(سورة السجدة الآية 7).
وكلاهما من نطفة:
(أَ وَلَمْ يَرَ الإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ ؟)(سورة ياسين الآية 77).
وكلاهما يتركب من عنصر خير، وعنصر شر:
(إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ)(سورة الإنسان الآية 2).
وكلاهما خلق في عناء وعليه الكد والتعب:
(لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ فِي كَبَدٍ)(سورة البلد الآية 4).
(يا أَيُّهَا الإِنْسانُ إِنّكس كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ)(سورة الإنشقاق الآية 6).
وكلاهما له عدو واحد:
(إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) (سورة الإسراء الآية 53)
وكلاهما يشترك في بعض الصفات الحسنة والسيئة. (بَلِ الإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)(سورة القيامة الآية 14).
(وَكانَ الإِنْسانُ عَجُولاً)(سورة الإسراء الآية 110).
(وَكانَ الإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً)(سورة الكهف الآية 54).
(لا يَسْأَمُ الإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ)(سورة فصلت الآية 49).
(إِنَّ الإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً)(سورة المعارج الآية 19).
وكلاهما يحصل على نتيجة أعماله:
(وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى)(سورة النجم الآية 39).
وبما أن الإنسان، في نظر الإسلام، هو الهدف من الخلق، فإن كل شيء يجب أن يكون في خدمته، ومقياس جودة أو عدم جودة أي شيء من خدمته للإنسان.. وقدسية أي شيء إنما تنبع من قدسية الإنسان، وعدم قدسيته كذلك ..
يعني؟
مثلاً عندما ننظر إلى الحيوان أي حيوان فإن مقياسنا للحكم على قدسية حياته، أو عدم قدسيتها إنما هو: هل ينفع هذا للإنسان أم يضره. فإذا كان ينفعه، فإننا سنسأل أيضاً هل ينفعه إذا كان حياً، أم ينفعه إذا ذبحناه؟
إن الميكروبات الضارة حيوانات. ونحن نحكم عليها بالموت لأنها تضر بالإنسان، بينما نحافظ على حياة البلابل والعصافير لأنها تؤنس الإنسان، ونحكم على الغنم وما شابه بالذبح لأن الإنسان يحتاج إلى لحمه…
وكذلك طبعاً: الأشجار، والجبال، وحتى جهد أي فرد، وإنتاجه يجب أن ينظر إليه من خلال خدمته للإنسان.. فإذ بني الفراعنة أهرامات مصر فإننا يجب أن نحكم على الفراعنة بالكفر، والخزي، واللعنة، لأن ذلك تم على حساب الإنسان. فآلاف العبيد ماتوا لكي ترتفع الصخور على الصخور، ويبقى اسم فرعون ما خالداً.
إن هذا الإنتاج كان ضد الإنسان ولذلك فهو ليس مجداً ولكنه عار لمن أنتجه!
هذه هي رؤية الإسلام عن الإنسان… وبما أن المرأة لا تختلف عن الرجل إلا من حيث الإطار والقالب فإن واجبات الإسلام للمرأة تدور في دائرة واجبات الإنسان، كما أن كل ما لها من حقوق إنما هي جزء من حقوق الإنسان…
هل تعني أن المرأة تتساوى مع الرجل؟
أية مساواة تقصدون أنتم؟ إذا كنتم تقصدون ما تقصده بعض الجمعيات الشعارية التي نسيت الإنسان في المرأة، واستعاضت عنه بـ القالب الجميل فيها، فلا.. أما إذا كنتم تقصدون المساواة في إنسانية الإنسان، مع توزيع الأدوار: فنعم..
أليس توزيع الأدوار عبارة أخرى عن التمييز؟
لا.. لأننا لو أردنا أن نوحد الأدوار لتوقفت الحياة كلها بالإضافة إلى أن توزيع الأدوار هو العدالة على أساس وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب. وهو قائم في مجتمع الرجال أيضاً.
بهذا المعنى هل ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة؟
حتماً. يقول القرآن الكريم:
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً)(سورة النحل الآية 72).
فالمرأة من نفس الرجل، وليست عنصر غريب، كما كان يعتقد البعض، وكانوا يتساءلون هل للمرأة روح كروح الرجل أم لها روح تختلف، وكانت الجاهلية تعامل المرأة كشيء كما كانت تتعامل مع قطعة من الأثاث، وقطعان الماشية فليس لها حق، وعليها كل الواجبات، فلم يكن لها كرامة, ولا استقلال في الرأي، فكانت محرومة من حقوق الملكية، وحق اختيار الزوج، وكانت تورث ولا ترث! فهي أنثى للاستمتاع الجنسي والخدمة المنزلية والعمل الكادح.
ولكن الإسلام جاء قاطعاً وواضحاً في أن الرجل والمرأة من نفس واحدة. أي أن المحتوى لهما واحد وإن كان القالب يختلف. يقول القرآن الكريم:
(رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً)(سورة النساء، الآية 1).
فالله هو الذي غير القالب ولذلك لا يجوز لنا أن نميز بينهما، لأن الرجل ليس له الحق في أن يفتخر، وأن يستكبر برجولته، كما ليس من حق أحد أن يحقر المرأة بانوثتها لأن ذلك ليس من اختيار الرجل ولا المرأة..
من هنا نجد أن الإسلام يزرع في المرأة الشعور بالمساواة في الإنسانية مع الرجل.. وبما أن أي تصرف إنما ينبع أولاً من الشعور النفسي فإن أهمية هذا الشعور تبرز بشكل واضح…
ولا يكتفي الإسلام بالشعور وحده، بل يأمر المسلمين أن يساووا بين المرأة والرجل.. فعندما تكون المرأة ابنة صغيرة يقول للأب الولد نعمة، والأنثى رحمة، والنعمة يحاسب عليها، والنعمة يشكر عليها.. ويطلب منه إذا اشترى هدية لأولاده، أن يعطي الأنثى أولاً.
وعندما تكون المرأة زوجة، يجعل حقوقها على الزوج أكثر من حقوق الزوج عليها. فحقوقها: الكسوة، والمسكن، والمطعم، والرعاية، والمحافظة عليها، بينما حق الزوج هو حقان:
ـ حق الغياب والحضور حيث لا بد أن يعرف الزوج ويجيز للزوجة بالخروج من البيت.
ـ وحق الفراش..
وعندما تكون المرأة أماً تنهال الآيات والروايات على الأولاد في مراعاة حقوقها..
ذلك لأن طيش المراهقة، وغرور الشباب، وسوء عشرة الأصدقاء وعدم النضج النفسي والعاطفي، وغير ذلك من العوامل الذاتية والمجتمعية تجعل علاقة الأبناء بالوالدين معرضة للغفلة والاهتزاز.
من هنا كانت التشريعات في القرآن وسنة النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا الباب أكثر منها في غيره من حقول العلاقات العاطفية.
يقول الله تعالى:
(وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدكس الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً)(سورة الإسراء الآية 23-24).
وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لكس بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(سورة لقمان الآية 14-15).
ونلاحظ أن القرآن يركز في وصيته للوالدين على الأم أكثر من الأب..
وجاء في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: الجنة تحت أقدام الأمهات.
وقوله لرجل جاء إليه وسأله: من أحق الناس بحسن صحبتي؟.
فقال له أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك..
وقال (صلى الله عليه وآله): عن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب.
بعد هذه المقدمة الطويلة، أعود إلى السؤال الذي طرح وهو: لماذا جعل الله الرجل قيماً على المرأة، ولم يفعل العكس؟
الإسلام يشكل عادة مجتمعه من خلايا وهي العائلات..
فالإسلام يتدخل عكس من الإيديولوجيات في الشؤون الداخلية للفرد، محاولة لذلك صياغته بشكل يجعل منه مواطناً صالحاً، ولهذا نجد أنه يفرض على الفرد واجبات تجاه نفسه مثل: النظافة الزواج حقوق الجسد الخ…
ثم يتدخل في شؤون المجتمع، حيث يفترض أن العائلة هي الخلية التي يشكل منها المجتمع.. ويحاول صياغة العائلات بشكل يتفق مع أغراضه الإنسانية من المجتمعات..
إن الإسلام يجعل الرجل هو المسؤول اقتصادياً عن المرأة سواء البنت أم الزوجة أم الأم وعن الأولاد إلى ما قبل مرحلة البلوغ وما دام هو المسؤول الاقتصادي، فهو أيضاً المسؤول الإداري، لأنه من غير المعقول أن نجعل الرجل مسؤولاً عن الإنفاق، وعن التحصيل، ولا نسمح له بالتوزيع العادل.. وكما يقول القرآن: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ)(سورة النساء الآية 34).
كل هذا بالإضافة إلى أن الإدارة بحاجة إلى نوع من الحزم والصرامة، التي يمتلكها الرجل وتفتقدها المرأة.
يعني تريد أن تقول أن المرأة عاطفية؟
تماماً..
تلك تهمة للمرأة..!
بل هي حقيقة.. ألسنا حتى الآن نسمي المرأة الجنس الناعم ونراها تصلح للرعاية، والأمومة، والطب، وكل ما هو بحاجة إلى العاطفة.
ولكنها أيضاً دخلت الميادين الأخرى؟
نعم… ولكن أغلب الميادين التي دخلتها المرأة كانت من النوع الناعم، كالسكرتارية، وأعمال الخدمات وما شابه ذلك.
وأتساءل كم إمرأة لحامة، أو عاملة منجم، أو سائقة قطار، أو عقيدة في الجيش، على مستوى العالم.
إن نسبة الأعمال الخشنة التي تدخلها المرأة لا تتجاوز الواحد إلى المليون بالنسبة إلى الأعمال القائمة التي دخلتها حتى الآن.