يوم كانت المرأة تعيش الإهانة والاحتقار في الماضي، ويوم كانت إنسانيتها محل نقاش وموضوع جدال، ما كان يتأنى لها بالطبع أن تساهم في تسيير الحياة الاجتماعية، وما كان يمكنها أن تلعب دوراً ما في إحداث عصرها ومجتمعها.
وكيف أن تؤدي أي دور وهي تعيش على هامش الحياة، وينظر إليها بازدراء واحتقار! جعلها هي الأخرى تفقد الثقة بنفسها، وترضى بواقعها البغيض..
إن آراءها تعتبر ناقصة، وتحركاتها مشبوهة، وكلماتها تافهة، وما عليها إلا أن تقبل ما يجري وتخضع لما يحدث..
وباختصار: كانت عضوا مشلولا في المجتمع وطاقة مهملة في الحياة..
والآن وحينما يراد للمرأة أن توجه اهتمامها نحو موديلات الأزياء وتفكر في حفلات الرقص والغناء وتفتش عن أبطال الحب والعشق وتعرض نفسها على شباب المراهقة، وتبحث عن مغامرات الجنس..
هذه المرأة هل تستطيع بعد ذلك أن تمارس دوراً اجتماعياً خطيراً، أو تشارك في صنع أحداث الحياة؟
إنها ستظل كأختها، التي كانت تعاني مأساة الماضي، تعيش على هامش الحياة، وتفقد الثقة بنفسها وتصبح هي الأخرى عضوا مشلولاً في المجتمع، وطاقة مهملة لا قيمة لها إلا بمقدار ما تقدم من خدمات جنسية للمراهقين والمغامرين الجنسيين وهواة الجمال.
والإسلام الذي أنقذ المرأة من مآسي الماضي، خطط لحمايتها من أخطار المستقبل وذلك بأن رسم لها طريقها الصحيح في الحياة، وبصرها بمواقع الانحراف، ومزالق الخطر لكي تحافظ على إنسانيتها وعفتها وكرامتها.
وفرض عليها أن تساهم في إدارة الحياة وتسيير شؤون المجتمع، وأن تشارك في أحداث العصر مشاركة صالحة.
فالمرأة نصف المجتمع، وإلغاء دورها يعني أن يعيش المجتمع أعرجاً يعتمد على رجل واحدة، إنها تمتلك طاقات عظيمة، ولديها مواهب واستعدادات ضخمة وإهمالها يعني إهدار مواهبها واستعداداتها وخسارة طاقاتها.
وإذا كانت المرأة جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي.. فهل جعل الإسلام لها حصة من الجهاد أو حملها نصيباً من مسؤولية نشر الدعوة؟
الإسلام الذي جاء ليوجه كل طاقات الحياة نحو السعادة للبشرية وكما لا يمكنه أن يسمح بتعطيل طاقات المرأة وتجميد ملكاتها.
لذا فقد عمل الإسلام على تفجير طاقات المرأة وتنمية مواهبها وتوجيه اهتماماتها نحو سعادتها وكمالها ونحو مصلحة المجتمع البشري والحياة الإنسانية.
فما وجب عليها من طلب العلم، ليتسع أفق تفكيرها وليرتفع مستوى معرفتها وثقافتها فتكون مؤهلة لمشاركة الرجل الذي يجب عليه هو الآخر أيضاً طلب العلم في إدارة شؤون الحياة وتسيير أمور المجتمع قال (صلى الله عليه وآله):
(طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)..
وشجع الإسلام المرأة على منافسة الرجل في الإلزام بصفات الكمال.. وتقمص قيم الخير والفضيلة فهي ليست قاصرة عن منافسته ومسابقته في خط الفضيلة والكمال فالمجال مفتوح أمامهما ولكل منهما كفاءاته وطاقاته التي تؤهله للسير والتقدم في درب الفضيلة والكمال..
يقول تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(سورة الأحزاب الآية 35).
أرأيت كيف يؤكد الله تعالى وجود المرأة إلى جنب الرجل في خط الكمال، وعلى صعيد الهدى وفي رحاب كل فضيلة.
والمرأة بعد ذلك مسؤولة في نظر الإسلام عما يحدث في مجتمعها، مفروض عليها أن تسهم في توجيه المجتمع نحو الخير والصلاح وأن تكون على وعي كامل بما يجري، وأن تقاوم أي انحراف أو فساد يريد غزو المجتمع والتسرب إلى أجوائه.
إنها والرجل يتقاسمان مسؤولية تنقية أجواء المجتمع وتطهير أرجائه من كل سوء وفساد وانحراف ومطالبان بتطبيق قيم الحق وأنظمة العدل، وتنفيذ أوامر الله سبحانه في الحياة..
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على المرأة كما هو واجب على الرجل. يقول تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(سورة التوبة الآية 71).
وعلى أساس هذه الخطة التي رسمها الإسلام للمرأة وانطلاقاً من هذا البرنامج العظيم يصبح للمرأة شأنها الكبير في الحياة ودورها الخطير في المجتمع..(فهي عضو فعال فيما يحدث، ومسؤول مباشر عما يجري).
وليست مجرد مخلوقة أريد منها خدمة الرجل وإمتاعه. ولا هي محطة لتجارب الأزياء والمكياج لا هم لها ولا شغل إلا ذلك..